عندما نتحدث عن بيت الحكم في الكويت لا يعتبر تعديا في الخوض ، بل هو حديث عن الذات عن المصير والمستقبل حديث يستوجب الشفافية والصراحة والوضوح ..
إن بيت الحكم في الكويت طوال قرن مضى لم يخلو البته من صراع أقطاب ، صراع أخذ صور متعددة غير متطابقة في كل مرحلة من مراحل تاريخنا السياسي ، صراعا محسوسا وملموسا وأحيانا ظاهرا كما هو الحال اليوم ، فمنذ إقصاء مبارك الصباح لأخويه في الحدث الشهير، ظلت ظاهرة صراع الأقطاب داخل بيت الحكم سمة دائمة .
ودون تعداد الحالات السابقة في صراع الأقطاب ، واقع الحال يستدعي القفز مباشرة ، إلى حالة الصراع الحالية ، لكونها تحمل في طياتها مظاهر جديدة غير تلك التي كانت عليها الكويت أسرة حكم وشعب ووطن ومحيط ، فكل المكونات السالفة طرأت عليها الكثير الكثير من المتغبرات ، تستوجب أخذها بعين الإعتبار ، فأسرة الحكم لم تعد متماسكة كما كانت ورؤاها وتحالفاتها تغيرت بالكامل مع تطلع بعض شباب الأسرة ذاتها لواقع جديد يحفظ مستقبل أسرتهم وموقعهم في الحكم لا كما يراه طاعني السن بالأسرة ، والشعب الكويتي كذلك لديه تطلعات مختلفة جذريا عن ذي قبل ، فلم تعد مطالبه تنحصر في المراقبة والملاحقة والتشريع ، بل في التنقيح للدستور بما يرفع سقف المكتسبات الدستورية من حكومة منتخبة وإستقلالية قضاء وتفعيل مؤسسات وهيئات ، وتغيير مواد دستور تحد من سلطة الأمير في تعجيز وتحجيم المؤسسة التشريعية عن أداء دورها ، وتحديات المحيط لم تعد تقليدية فهي ذات تبعية تأثير في إستقرار أنظمة الحكم بالجوار .
إن واقعنا السياسي إستقراره مرهون في مدى تنامي الندية والمماثلة بين بيت الحكم من جانب ومؤسسة الشعب من جانب آخر ، وعندما نتحدث عن المماثلة ، فاننا نرفض المغالبة ، بمعنى نرفض غلبة بيت الحكم في مؤسسات النفوذ بادارة شئون الوطن ، كذلك لا نقبل تقويض الأسس التي قامت عليها الكويت في بقاء الحكم في ذرية مبارك ،
حالة الصراع القطبي في بيت الحكم ليست جديدة لكنها تحمل في طياتها الكثير من المتغيرات ، تعد لحظة تاريخية للوطن ثم لأسرة الحكم و للشعب الكويتي قد لا تتكرر ، حاجة أسرة الحكم لحسم الصراع القطبي أكثر من حاجة الشعب والوطن لذلك ، فهي المتضرر الأول منه ، والشعب الكويتي يحتاج أيضا أن يضطلع بدور أكبر في إدارة شئون وطن يتحمل فيه مسؤولية شراكة الحكم والنهوض بالوطن في ظل تحديات كبرى لا يمكن إنفراد بيت الحكم في مواجهتها .
وبعيدا عن جذور الخلاف الحاصل الآن ، ولكن في النظر فيما تمخض عن كثير من جوانبه ، فانه ليس خلافا في إدارة شئون الوطن ، وإنما خلاف تسابق على ثروات الوطن ، والقصة ليست في الملايين أو المليارات ، بل في النفوذ والقدرة على تمهيد الطريق لخلافة الإمارة الحالية .
ولكونه خلاف سباق نحو الإمارة والنفوذ والقوة ، وأطراف الصراع والسباق إن شئنا القول قد حزمت أمرها في الجري وبقوة نحو الإمارة ، فاننا كشعب يجب أن نضع رهاننا في أحد المتسابقين ، ليس لاعتبار النزاهة والوطنية العالية ، فكل المواقف السابقة لا تعطي الأفضلية لأي منهما ، لكن العقد الإجتماعي ما بين أسرة الحكم والشعب الكويتي ، يفرض الإلتزام ويرفض الإخلال بأسسه .
ومن هنا يجب على المعارضة السياسية وهي المفتاح الرئيسي الآن ، أن تحدد مسارا سياسيا جديدا في التعاطي السياسي مع الصراع القطبي ، فلم تعد الحيادية والنأي عن ذلك الصراع يخدم الوطن والشعب وأسرة الحكم ذاتها ، لذا وجب الإنحياز المشروط مع أحد الأقطاب ، الأقل ضررا في الحاضر والمستقبل على الأسرة والوطن والشعب ، من خلال إتفاق سياسي رصين ومتماسك ، يمهد طريق الإمارة لذلك القطب دون غيره ، في مقابل وجود ضمانات لا تقبل النقض في تمكين الشعب من إدارة شئون الوطن في إطار حكومة منتخبة ذات صلاحيات كاملة ،
وهذا الإتفاق ينطلق من إشتراط صريح وبائن على تعديلات دستورية جدية تعالج حالة القصور والخلل والعجز الذي يكتنف المؤسسة التشريعية ، وجعلها مؤسسة مماثلة لمؤسسة بيت الحكم في إدارة شئون الوطن .
ومن أجل ذلك على المعارضة السياسية أن تنأى بنفسها أن تكون أداة سياسية لأحد الأقطاب ، وفي نفس الوقت يجب ألا تكون بعيدة عن معطيات الصراع القطبي ، فالإكتفاء في تتبع التسريبات والأرقام والتجاوزات المرعبة والمسربة هنا وهناك ـ لا تورث إلا إحباطا أكثر وأكبر على الوطن ، فالأولى أن تختار قواعد متينة وثابته ومبدئية في هذا الصراع ، تنحصر في الإنحياز المشروط لأحد أقطاب الصراع الأقل ضررا والأقرب فرصة في السير نحو الإمارة ، وإبرام إتفاق سياسي محكم ومشهود حول التغييرات الجوهرية التي تمكن النظام السياسي التخلص من حالة العجز بتعديلات دستورية حاسمة تجعل الشعب اليد الطولى في إدارة شئون البلد والأسرة في إدارة شئون الحكم .